فصل: بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا رَخَّصَ فِيهِ مِنْ الْكَلاَمِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الصَّلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ, وَالْكَلاَمِ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ, وَالْكَلاَمِ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا, وَالْكَلاَمِ فِي الْحَرْبِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: بيان مشكل الآثار **


بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِمَّا رَخَّصَ فِيهِ مِنْ الْكَلاَمِ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الصَّلاَحُ بَيْنَ النَّاسِ‏,‏ وَالْكَلاَمِ الَّذِي يُحَدِّثُ بِهِ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ‏,‏ وَالْكَلاَمِ الَّذِي تُحَدِّثُ بِهِ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا‏,‏ وَالْكَلاَمِ فِي الْحَرْبِ

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ يَعْنِي‏:‏ ابْنَ خُثَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ أَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ قَالَتْ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي إحْدَى ثَلاَثٍ إصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَكَذِبِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ لِيُرْضِيَهَا وَكَذِبِ الْحَرْبِ‏.‏

حَدَّثَنَا فَهْدٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ أَبِي الطُّفَيْلِ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَلاَ إنَّهُ لاَ يَصْلُحُ الْكَذِبُ إِلاَّ فِي إحْدَى ثَلاَثٍ رَجُلٍ كَذَبَ امْرَأَتَهُ لِيَسْتَصْلِحَ خُلُقَهَا‏,‏ وَرَجُلٍ كَذَبَ لِيُصْلِحَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ وَرَجُلٍ كَذَبَ فِي خَدِيعَةِ حَرْبٍ إنَّ الْحَرْبَ خُدْعَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَتْنِي أَسْمَاءُ ابْنَةُ يَزِيدَ الأَشْعَرِيَّةُ قَالَتْ قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّ الْكَذِبِ يُكْتَبُ عَلَى بَنِي آدَمَ إِلاَّ مَنْ كَذَبَ لاِمْرَأَتِهِ أَوْ رَجُلٌ كَذَبَ بَيْنَ امْرَأَيْنِ مُسْلِمَيْنِ يُصْلِحَ بَيْنَهُمَا‏,‏ وَرَجُلٌ كَذَبَ فِي حَرْبٍ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَتَأَمَّلْنَا هَذِهِ الآثَارِ فَوَجَدْنَا فِيهَا قَوْلَ‏:‏ مَنْ رُوِيَتْ عَنْهُ مِمَّا أُضِيفَ فِيهَا مِنْ الأَحْوَالِ الَّتِي تَصْلُحُ لِلْكَذِبِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ فِي كِتَابِهِ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ}‏.‏

وَوَجَدْنَاهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَالَ‏:‏ فِي كِتَابِهِ {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} فَكَانَ فِيمَا تَلَوْنَا أَمْرَهُ عَزَّ وَجَلَّ لِصَحَابَةِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْمُؤْمِنِينَ بِهِ أَنْ يَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ‏,‏ وَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ تَقَدَّمَهُ مِنْ أَنْبِيَائِهِ صلوات الله عليهم‏,‏ وَلَمْ يُخَصِّصْ ذَلِكَ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ‏,‏ وَلاَ وَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ بَلْ عَمَّ بِهِ الأَحْوَالَ كُلَّهَا وَالأَوْقَاتِ كُلَّهَا‏,‏ وَكَذَلِكَ مَا أَمَرَ بِهِ مِنْ اجْتِنَابِهِ فِيهَا هُوَ كَذَلِكَ أَيْضًا عَلَى الأَوْقَاتِ كُلِّهَا‏,‏ وَعَلَى الأَحْوَالِ كُلِّهَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَبْعَدُ النَّاسِ مِنْ خِلاَفِ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَبُّهُ، عَزَّ وَجَلَّ،‏.‏

‏,‏ ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي هَذِهِ الْمَعَانِي سِوَى مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ‏.‏

فَوَجَدْنَا فَهْدًا قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ‏,‏ فَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ يَنْمِي خَيْرًا‏.‏

وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّهُ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عُقْبَةَ وَكَانَتْ مِنْ الْمُهَاجِرَاتِ اللَّاتِي بَايَعْنَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سَمِعَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ‏.‏

وَكَانَ فِي هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ نَفْيُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبَ عَمَّنْ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ‏,‏ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا‏,‏ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إِلاَّ عَلَى الْقَوْلِ الَّذِي بِمَعَارِيضِ الْكَلاَمِ مِمَّا لَيْسَ قَائِلُهُ كَاذِبًا‏.‏

وَوَجَدْنَا ابْنَ أَبِي دَاوُد قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الآُوَيْسِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ‏,‏ فَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ يَنْمِي خَيْرًا‏,‏ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ‏:‏ إنَّهُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ فِي الْحَرْبِ وَإِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا‏.‏

وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ شُعَيْبٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَرْبٍ عَنْ الزُّبَيْدِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أُمَّ كُلْثُومٍ ابْنَةَ عُقْبَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا سَمِعَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَيْضًا نَفْيُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْكَذِبَ عَمَّنْ كَانَتْ هَذِهِ الأَحْوَالُ مِنْهُ‏,‏ وَكَانَ فِيهِ‏,‏ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ كَذِبٌ أَيْ‏:‏ لِظَاهِرِهِ عِنْدَهُمْ‏,‏ وَلَيْسَ قَائِلُهُ بِكَذَّابٍ إذْ كَانَ لَمْ يَرِدْ بِهِ الْكَذِبَ إنَّمَا أَرَادَ مَعْنًى سِوَاهُ فَكَانَ فِي ذَلِكَ نَفْيُ الْكَذِبِ مِمَّا كَانَ مِنْهُ‏.‏

وَوَجَدْنَا أَحْمَدَ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ يَعْنِي‏:‏ الزَّعْفَرَانِيَّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا‏:‏ عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا وُهَيْبٌ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ وَمَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لَيْسَ بِكَذَّابٍ مَنْ أَصْلَحَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ قَالَ خَيْرًا أَوْ نَمَا خَيْرًا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَكَانَ الْكَلاَمُ فِي هَذَا كَالْكَلاَمِ فِيمَا رَوَيْنَاهُ قَبْلَهُ فِي الْفَصْلِ الثَّانِي مِنْ الْفَصْلَيْنِ اللَّذَيْنِ تَقَدَّمَتْ رِوَايَتُنَا لَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ رُوِيَ حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ هَذَا بِمِثْلِ مَا رُوِيَ بِهِ حَدِيثُ أَسْمَاءَ فَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ حُدِّثْتُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّهِ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي الْكَذِبِ فِي ثَلاَثَةِ‏:‏ فِي الْحَرْبِ وَفِي قَوْلِ الرَّجُلِ لاِمْرَأَتِهِ‏,‏ وَفِي الصُّلْحِ بَيْنَ النَّاسِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ،قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْر‏.‏

وَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ وَفَهْدٌ قَالاَ ثنا عَبْدُ اللهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ‏,‏ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أُمِّ كُلْثُومٍ ابْنَةِ عُقْبَةَ قَالَتْ مَا سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لاَ أَعُدُّهُ كَذَّابًا الرَّجُلُ يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ يَقُولُ الْقَوْلَ لاَ يُرِيدُ بِهِ إِلاَّ الإِصْلاَحَ وَالرَّجُلُ يَقُولُ الْقَوْلَ فِي الْحَرْبِ‏,‏ وَالرَّجُلُ يُحَدِّثُ امْرَأَتَهُ‏,‏ وَالْمَرْأَةُ تُحَدِّثُ زَوْجَهَا‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ حَدِيثَ إبْرَاهِيمَ ابْنِ أَبِي عَاصِمٍ فَاسِدُ الإِسْنَادِ‏;‏ لأَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ إنَّمَا حَدَّثَ بِهِ عَنْ رَجُلٍ مَجْهُولٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ‏,‏ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الْوَهَّابِ فَإِنَّ الَّذِي فِيهِ حِكَايَةٌ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ أَنَّ هَذِهِ الأَشْيَاءَ رَخَّصَ فِيهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِالْكَذِبِ فِي تِلْكَ الأَشْيَاءِ إنَّمَا فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ فِي ذَلِكَ فِي تِلْكَ الأَشْيَاءِ وَكَانَ الَّذِي فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْكَذِبِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَا عَدَّهُ قَائِلُ ذَلِكَ مِنْ رُوَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ كَذِبًا لَيْسَ كَذِبًا فِي الْحَقِيقَةِ‏,‏ وَإِنَّمَا هُوَ لِظَنِّهِ ذَلِكَ‏.‏

وَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ وَقَفْنَا بِهِ عَلَى قَوْلِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ يُوَافِقُ ذَلِكَ الْبَابَ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏‏:‏ وَهَلْ يُبَاحُ التَّعْرِيضُ فِي مِثْلِ هَذَا حَتَّى يَكُونَ الْمُخَاطَبُ يَقَعُ فِي قَلْبِهِ خِلاَفُ حَقِيقَةِ كَلاَمِ مَنْ يُخَاطِبُهُ‏؟‏‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ‏:‏ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لاَ بَأْسَ بِهِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي قِصَّةِ مُوسَى عليه السلام مَعَ صَاحِبِهِ لَمَّا قَالَ لَهُ {لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} لَيْسَ‏;‏ لأَنَّهُ نَسِيَ‏,‏ وَلَكِنَّهُ عَلَى مَعَارِيضِ الْكَلاَمِ وَمِثْلُ ذَلِكَ مَا قَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ الْحَرْبُ خُدْعَةٌ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ ذِي حَدَّانَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم سَمَّى الْحَرْبَ خُدْعَةً وَكَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ جَمِيعًا قَالاَ‏:‏ ثنا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا الْحَرْبُ خُدْعَةٌ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْجَارُودِ وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالاَ ثنا فَضَالَةُ بْنُ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ الْقِتْبَانِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِثْلَهُ‏.‏

فَكَانَ فِي ذِكْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم الْحَرْبَ أَنَّهَا كَذَلِكَ مَا قَدْ عَقَلْنَا بِهِ أَنَّ الْكَلاَمَ الَّذِي يُرَادُ بِهِ الْحَرْبُ هُوَ الْكَلاَمُ الَّذِي يَكُونُ ظَاهِرُهُ مَعْنًى يُخِيفُ أَهْلَ الْحَرْبِ‏,‏ وَإِنْ كَانَ بَاطِنُهُ مِمَّا يُرِيدُهُ بِهِ الْمُتَكَلِّمُونَ بِهِ خِلاَفَ ذَلِكَ‏,‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْحَرْبِ عَقَلْنَا بِهِ أَنَّ الْمُرَخَّصَ فِيهِ فِي الْحَرْبِ فِي الآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي هَذَا الْبَابِ هُوَ هَذَا الْمَعْنَى بِعَيْنِهِ لاَ مَا سِوَاهُ‏,‏ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ فِي الْحَرْبِ كَانَ الَّذِي يُصْلِحُ بِهِ الرَّجُلُ بَيْنَ النَّاسِ وَاَلَّذِي يُصْلِحُ بِهِ قَلْبَ زَوْجَتِهِ وَاَلَّذِي تُصْلِحُ بِهِ الزَّوْجَةَ قَلْبَ زَوْجِهَا هُوَ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا لاَ الْكَذِبَ وَقَدْ حُقِّقَ ذَلِكَ أَيْضًا فِي حَدِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ‏,‏ وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ كَذِبٌ إِلاَّ فِي ثَلاَثٍ‏,‏ أَيْ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ‏:‏ إنَّهُ كَذِبٌ‏,‏ وَلَيْسَ بِكَذِبٍ‏,‏ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الأَوْلَى بِأَهْلِ الْعِلْمِ أَنْ يَحْمِلُوا أُمُورَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهَا‏,‏ وَفِيمَا رَوَيْنَا مِنْ أَحَادِيثِ أُمِّ كُلْثُومٍ هَذِهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يَمْشِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ‏,‏ فَيَنْمِي خَيْرًا أَوْ يَقُولُهُ وَفِي ذَلِكَ نَفَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّنْ كَانَتْ تِلْكَ حَالُهُ الْكَذِبَ وَإِذَا انْتَفَى عَنْهُ بِذَلِكَ الْكَذِبِ انْتَفَى عَمَّنْ كَانَ مِنْهُ الْكَذِبُ أَيْضًا‏,‏ وَثَبَتَ أَنَّ الَّذِي كَانَ فِي ذَلِكَ هُوَ الْمَعَارِيضَ لاَ مَا سِوَاهَا‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ فِي الْمَعَارِيضِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنهما مَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي عِمْرَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ الرَّازِيّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ‏:‏ قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه أَمَا فِي الْمَعَارِيضِ مَا يُغْنِي الْمُسْلِمَ عَنْ الْكَذِبِ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ‏:‏ صَحِبْتُ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ مِنْ الْكُوفَةِ إلَى الْبَصْرَةِ فَمَا كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ أَنْشَدَنَا عَلَيْهِ شِعْرًا وَقَالَ‏:‏ إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً عَنْ الْكَذِبِ‏.‏

قَالَ‏:‏ وَهَذِهِ الْمَعَانِي الَّتِي خَرَّجْنَا مَعَانِيَ هَذِهِ الآثَارِ عَلَيْهَا فَأَمَّا حَدِيثُ أَسْمَاءَ ابْنَةِ يَزِيدَ الَّذِي فِيهِ التَّصْرِيحُ بِمَا صَرَّحَ بِهِ فِيهِ فَإِنَّمَا دَارَ عَلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ‏,‏ وَهُوَ رَجُلٌ مَطْعُونٌ فِي رِوَايَتِهِ مَنْسُوبٌ إلَى سُوءِ الْحِفْظِ‏,‏ وَإِلَى قِلَّةِ الضَّبْطِ وَرَدَاءَةِ الأَخْذِ‏.‏

‏,‏ وَأَمَّا حَدِيثُ أُمِّ كُلْثُومٍ فَمَنْ رَوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ الَّذِينَ يُؤْخَذُ مِثْلُهُ عَنْهُمْ فَإِنَّمَا ذُكِرَ فِيهِ نَفْيُ الْكَذِبِ مِنْهُمْ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ‏,‏ وَمِنْهُمْ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ وَزَادَ عَلَى مَالِكٍ فِيهِ أَنَّ الَّذِي رَخَّصَ فِيهِ فَذَكَرَ تِلْكَ الأَشْيَاءَ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ إنَّهُ كَذِبٌ فَأَضَافَ الْكَذِبَ إلَى قَوْلِ النَّاسِ فِي تِلْكَ الأَشْيَاءِ‏,‏ لاَ إلَى حَقَائِقِ تِلْكَ الأَشْيَاءِ وَاَللَّهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَيَّاتِ مِنْ إطْلاَقِ قَتْلِهَا وَمِنْ تَرْكِ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَمَا رُوِيَ عَنْهُ فِيهَا مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا طَالُوتُ بْنُ عَبَّادٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي الأَعْيَنِ الْعَبْدِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ قَالَ‏:‏ بَيْنَا ابْنُ مَسْعُودٍ يَخْطُبُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا هُوَ بِحَيَّةٍ تَمْشِي عَلَى الْجِدَارِ فَقَطَعَ خُطْبَتَهُ وَضَرَبَهَا بِقَضِيبِهِ، حَتَّى قَتَلَهَا‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ مَنْ قَتَلَ حَيَّةً فَكَأَنَّمَا قَتَلَ رَجُلاً مُشْرِكًا قَدْ حَلَّ دَمُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الأَشَجِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ‏,‏ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ‏,‏ وَالأَبْتَرَ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ‏,‏ فَمَنْ وَجَدَ ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ‏,‏ فَلَمْ يَقْتُلْهُمَا‏,‏ فَلَيْسَ مِنَّا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَزِيزٍ الأَيْلِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَلاَمَةُ بْنُ رَوْحٍ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ وَأَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ‏:‏ اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ‏,‏ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ‏.‏

حَدَّثَنَا بَكَّارَ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَيَّاتِ مَا سَالَمْنَاهُنَّ مُنْذُ حَارَبْنَاهُنَّ مَنْ تَرَكَهُنَّ خَشْيَةً‏,‏ فَلَيْسَ مِنَّا‏.‏

قَالَ‏:‏ فَفِيمَا رَوَيْنَا الأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ كُلِّهَا‏,‏ وَتَرْكُ الرُّخْصَةِ فِي ذَلِكَ‏,‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهْيُهُ عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ مِنْهَا‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ أَبِي عُقَيْلَةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ‏,‏ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ‏,‏ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ قَالَ‏:‏ وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقْتُلُ كُلَّ حَيَّةٍ يَرَاهَا‏,‏ فَرَآهُ أَبُو لُبَابَةَ أَوْ زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ‏,‏ وَهُوَ يُطَارِدُ حَيَّةً‏,‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّهُ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَمِّهِ عَنْ سَالِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ رضي الله عنه يَقُولُ اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ‏,‏ وَاقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالأَبْتَرَ‏,‏ فَإِنَّهُمَا يَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ‏,‏ وَيُسْقِطَانِ الْحَبَلَ قَالَ‏:‏ ابْنُ عُمَرَ‏,‏ فَكُنْت لاَ أَتْرُكُ حَيَّةً فِي الأَرْضِ قَدَرْت عَلَيْهَا إِلاَّ قَتَلْتُهَا‏,‏ فَبَيْنَا أَنَا أَطْلُبُ حَيَّةً مِنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ أَبْصَرَنِي زَيْدُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَأَبُو لُبَابَةَ فَقَالاَ‏:‏ مَهْ مَهْ يَا عَبْدَ اللهِ‏,‏ فَقُلْت‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِقَتْلِهَا‏,‏ فَقَالَ‏:‏ لاَ‏,‏ فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ يُرِيدُ عَوَامِرَ الْبُيُوتِ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا لاَ يَدَعُ مِنْهَا شَيْئًا‏.‏

وَحَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ‏,‏ فَأَمْسَكَ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ الْمُرَادِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ‏,‏ عَنْ أَيُّوبَ‏,‏ عَنْ نَافِعٍ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِي لُبَابَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ‏.‏

حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ‏:‏ أَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ اللَّيْثِيُّ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ مَرَّ بِعَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ‏,‏ وَهُوَ عِنْدَ الآُطُمِ الَّذِي عِنْدَ دَارِ عُمَرَ يَرْصُدُ حَيَّةً‏,‏ فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ‏:‏ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ نَهَى عَنْ قَتْلِ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ‏,‏ فَانْتَهَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ ثُمَّ وَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ حَيَّةً‏,‏ فَأَمَرَ بِهَا‏,‏ فَأُخِذَتْ فَخَرَجَتْ بِبُطْحَانَ قَالَ نَافِعٌ‏:‏ رَأَيْتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ كَمَا حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ‏:‏ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ فِي الْبُيُوتِ‏.‏

وَكَمَا حَدَّثَنَا يُونُسُ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ الأَنْصَارِيَّ كَانَ مَسْكَنُهُ بِقُبَاءَ‏,‏ فَانْتَقَلَ إلَى الْمَدِينَةِ‏,‏ فَبَيْنَمَا ابْنُ عُمَرَ جَالِسٌ مَعَهُ فَفَتَحَ لَهُ خَوْخَةٌ إذَا هُوَ بِحَيَّةٍ مِنْ عَوَامِرِ الْبُيُوتِ‏,‏ فَأَرَادَ قَتْلَهَا‏,‏ فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ إنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُنَّ يُرِيدُ عَوَامِرَ الْبُيُوتِ‏,‏ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الأَبْتَرِ وَذِي الطُّفْيَتَيْنِ‏,‏ وَقَالَ‏:‏ هُمَا اللَّذَانِ يَلْتَمِعَانِ الْبَصَرَ‏,‏ وَيَطْرَحَانِ أَوْلاَدَ النِّسَاءِ قَالَ‏:‏ فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ نَهَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ بَعْدَ أَنْ كَانَ أَمَرَ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ كُلِّهَا‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ أَوْلَى مِنْ الأَحَادِيثِ الآُوَلِ‏;‏ لأَنَّ فِيهَا نَسْخَ بَعْضِ مَا فِي الأَحَادِيثِ الآُوَلِ‏.‏

‏,‏ ثُمَّ نَظَرْنَا فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ كَانَ ذَلِكَ النَّسْخُ مَا هُوَ‏,‏ فَوَجَدْنَا يُونُسَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَنَّ مَالِكًا أَخْبَرَهُ عَنْ صَيْفِيٍّ مَوْلَى ابْنِ أَفْلَحَ قَالَ حَدَّثَنِي ‏[‏ أَبُو ‏]‏ السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ قَالَ‏:‏ دَخَلْتُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي بَيْتِهِ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي‏,‏ فَجَلَسْت أَنْتَظِرُهُ مَتَى تَنْقَضِي صَلاَتُهُ‏,‏ فَسَمِعْت تَحْرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ‏,‏ فَالْتَفَتُّ‏,‏ فَإِذَا حَيَّةٌ‏,‏ فَوَثَبْتُ لأَقْتُلَهَا‏,‏ فَأَشَارَ إلَيَّ أَنْ اجْلِسْ‏,‏ فَجَلَسْت‏,‏ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَشَارَ إلَى بَيْتٍ مِنْ الدَّارِ أَتَرَى هَذَا الْبَيْتَ‏؟‏ قَالَ كَانَ ‏[‏فِيهِ‏]‏ فَتًى شَابٌّ حَدِيثُ عَهْدٍ بِعُرْسٍ‏,‏ فَخَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْخَنْدَقِ‏,‏ فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْصَافِ النَّهَارِ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ‏,‏ فَاسْتَأْذَنَهُ يَوْمًا‏,‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خُذْ عَلَيْك سِلاَحَك‏,‏ فَإِنِّي أَخْشَى عَلَيْك قُرَيْظَةَ‏,‏ فَأَخَذَ سِلاَحَهُ‏,‏ ثُمَّ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ‏,‏ فَإِذَا امْرَأَتُهُ بَيْنَ الْبَابَيْنِ قَائِمَةً‏,‏ فَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ لِيَطْعَنَهَا بِهِ وَأَصَابَتْهُ غَيْرَةٌ‏,‏ فَقَالَتْ‏:‏ اُكْفُفْ عَلَيْك رُمْحَك‏,‏ وَادْخُلْ الْبَابَ حَتَّى تَنْظُرَ مَا الَّذِي أَخْرَجَنِي‏,‏ فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنْطَوِيَةٍ عَلَى الْفِرَاشِ‏,‏ فَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ‏,‏ فَانْتَظَمَهَا بِهِ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ‏,‏ فَاضْطَرَبَتْ عَلَيْهِ فَمَا أَدْرِي أَيُّهُمَا كَانَ أَسْرَعَ مَوْتًا الْحَيَّةُ أَوْ الْفَتَى‏,‏ فَجِئْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏,‏ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهُ وَقُلْنَا‏:‏ اُدْعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحْيِهِ لَنَا‏,‏ فَقَالَ اسْتَغْفِرُوا لِصَاحِبِكُمْ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا‏,‏ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا‏,‏ فَآذِنُوهُ ثَلاَثًا‏,‏ فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ‏,‏ فَاقْتُلُوهُ‏,‏ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْر قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ عَنْ صَيْفِيٍّ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الأَنْصَارِ عَنْ أَبِي السَّائِبِ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِأَلْفَاظٍ أَقَلَّ مِنْ هَذِهِ بِغَيْرِ اخْتِلاَفٍ فِي الْمَعَانِي‏.‏

وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ فَتًى مِنْ الأَنْصَارِ كَانَ قَرِيبَ عَهْدٍ بِعُرْسٍ‏,‏ فَخَرَجَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ‏,‏ فَلَمَّا رَجَعَ دَخَلَ مَنْزِلَهُ‏,‏ فَإِذَا امْرَأَتُهُ فِي الدَّارِ قَائِمَةً‏,‏ فَأَهْوَى إلَيْهَا بِالرُّمْحِ‏,‏ فَقَالَتْ‏:‏ كَمَا أَنْتَ لاَ تَعْجَلْ اُدْخُلْ الْبَيْتَ‏,‏ فَدَخَلَ فَإِذَا حَيَّةٌ مُنْطَوِيَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ‏,‏ فَرَكَزَهَا بِرُمْحِهِ‏,‏ فَأَخْرَجَهَا إلَى الدَّارِ‏,‏ فَوَضَعَهَا فَانْتَفَضَتْ الْحَيَّةُ‏,‏ وَانْتَفَضَ الرَّجُلُ‏,‏ فَمَاتَتْ الْحَيَّةُ وَمَاتَ الرَّجُلُ‏,‏ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏,‏ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إنَّهُ قَدْ نَزَلَ حَيٌّ مِنْ الْجِنِّ مُسْلِمُونَ بِالْمَدِينَةِ‏,‏ فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا‏,‏ فَتَعَوَّذُوا بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْهَا‏,‏ ثُمَّ إنْ عَادُوا فَاقْتُلُوهَا‏.‏

فَتَأَمَّلْنَا فِي هَذِهِ الآثَارِ فَوَجَدْنَا فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلٍ مَا فِيهِمَا مِمَّا قَدْ أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْجِنِّ الَّذِينَ حَدَثُوا بِالْمَدِينَةِ مِمَّنْ أَسْلَمَ فَصَارُوا عُمَّارًا لِبُيُوتِهَا‏,‏ فَنَهَى عَنْ قَتْلِهَا لِذَلِكَ حَتَّى تُنَاشَدَ فَإِنْ ظَهَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ كَانَتْ خَارِجَةً عَنْ الْمَعْنَى الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهَا وَعَادَتْ إلَى الْحُكْمِ الَّذِي كَانَ جَمِيعُ الْحَيَّاتِ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ مِنْ حِلِّ قَتْلِهَا‏.‏

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا قَدْ حَدَّثَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ‏:‏ الْجِنُّ عَلَى ثَلاَثَةِ أَثْلاَثٍ فَثُلُثٌ لَهُمْ أَجْنِحَةٌ يَطِيرُونَ فِي الْهَوَاءِ وَثُلُثٌ حَيَّاتٌ وَكِلاَبٌ وَثُلُثٌ يَحِلُّونَ وَيَظْعَنُونَ‏.‏

فَكَانَ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ حُقِّقَ أَنَّ مِنْ الْحَيَّاتِ مَا هُوَ جَانٌّ‏,‏ وَأَنَّ فِيهِ مَا قَدْ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ وَسَهْلٍ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ، وَتَعَالَى، نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏

بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي ابْنِ صَيَّادٍ الْيَهُودِيِّ مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ قَوْمٌ عَلَيْهِ الدَّجَّالُ وَمِمَّا مَنَعَ بِهِ قَوْمٌ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ

حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ‏:‏ إنَّ امْرَأَةً مِنْ الْيَهُودِ بِالْمَدِينَةِ وَلَدَتْ غُلاَمًا مَمْسُوحَةٌ عَيْنُهُ طَالِعَةٌ نَاتِئَةٌ وَأَشْفَقَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَكُونَ الدَّجَّالَ فَوَجَدَهُ تَحْتَ قَطِيفَةٍ يُهَمْهِمُ فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ فَاخْرُجْ إلَيْهِ فَخَرَجَ مِنْ الْقَطِيفَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَهَا، قَاتَلَهَا اللَّهُ، لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى‏؟‏ قَالَ أَرَى حَقًّا‏,‏ وَأَرَى بَاطِلاً‏,‏ وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ لَهُ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ هُوَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ آمَنْت بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُلِهِ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ‏,‏ ثُمَّ أَتَاهُ مَرَّةً أُخْرَى فَوَجَدَهُ فِي نَخْلٍ لَهُمْ يُهَمْهِمُ فَآذَنَتْهُ أُمُّهُ فَقَالَتْ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا أَبُو الْقَاسِم قَدْ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ، لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ قَالَ‏:‏ وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَطْمَعُ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئًا‏,‏ فَيَعْلَمُ هُوَ هُوَ أَمْ لاَ فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى‏؟‏ قَالَ أَرَى حَقًّا‏,‏ وَأَرَى بَاطِلاً‏,‏ وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ هُوَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آمَنْتُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرُسُلِهِ فَلُبِسَ عَلَيْهِ‏,‏ ثُمَّ خَرَجَ وَتَرَكَهُ‏,‏ ثُمَّ جَاءَ فِي الثَّالِثَةِ‏,‏ وَالرَّابِعَةِ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رضي الله عنهما فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَأَنَا مَعَهُ فَبَادَرَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَيْدِينَا رَجَاءَ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ كَلاَمِهِ شَيْئًا فَسَبَقَتْهُ أُمُّهُ إلَيْهِ‏,‏ فَقَالَتْ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا أَبُو الْقَاسِمِ قَدْ جَاءَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏، مَا لَهَا قَاتَلَهَا اللَّهُ، لَوْ تَرَكَتْهُ لَبَيَّنَ فَقَالَ يَا ابْنَ صَيَّادٍ مَا تَرَى‏؟‏ قَالَ أَرَى حَقًّا‏,‏ وَأَرَى بَاطِلاً‏,‏ وَأَرَى عَرْشًا عَلَى الْمَاءِ فَقَالَ‏:‏ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ أَتَشْهَدُ أَنْتَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ فَلُبِّسَ عَلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَا ابْنَ صَيَّادٍ إنَّا قَدْ خَبَّأْنَا لَك خَبِيئًا فَمَا هُوَ‏؟‏ قَالَ الدُّخُّ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم اخْسَأْ اخْسَأْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ائْذَنْ لِي فَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنْ يَكُنْ هُوَ فَلَسْتَ صَاحِبَهُ إنَّمَا صَاحِبُهُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ‏,‏ وَإِنْ لاَ يَكُنْ هُوَ فَلَيْسَ لَك أَنْ تَقْتُلَ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ قَالَ‏:‏ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُشْفِقًا أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا رَأَى مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ مَا رَأَى مِنْ عَيْنِهِ‏,‏ وَلَمَّا سَمِعَ مِنْ هَمْهَمَتِهِ مَا سَمِعَ‏,‏ وَلَمَّا وَقَفَ عَلَيْهِ مِنْ شَوَاهِدِهِ الْمَذْكُورَةِ عَنْهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يَأْمَنْ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ الَّذِي قَدْ أَعْلَمَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، خُرُوجَهُ فِي أُمَّتِهِ فَقَالَ فِيهِ مَا قَالَ‏:‏ بِغَيْرِ تَحْقِيقٍ مِنْهُ أَنَّهُ هُوَ إذْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ‏;‏ وَلاَ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ إذْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ وَحْيٌ‏,‏ وَوَقَفَ عَنْ إطْلاَقِ وَاحِدٍ مِنْ ذَيْنِك الأَمْرَيْنِ فِيهِ‏.‏

فَقَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَقَدْ حَلَفَ عُمَرُ رضي الله عنه عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ الدَّجَّالُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ‏,‏ وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُثَنَّى بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْت‏:‏ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللهِ يَحْلِفُ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إنَّ ابْنَ صَيَّادٍ الدَّجَّالُ‏,‏ وَلاَ يَسْتَثْنِي فَقُلْتُ لَهُ تَحْلِفُ بِاَللَّهِ‏,‏ وَلاَ تَسْتَثْنِي فَقَالَ إنِّي سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَحْلِفُ عَلَى ذَاكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ شُعْبَةَ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ الْحِمْصِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُفَيْرُ بْنُ مَعْدَانَ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ‏,‏ ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادِهِ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَفِي هَذَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ أَنَّهُ الدَّجَّالُ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ‏,‏ وَلَمْ يَنْهَهُ عَنْهُ قَالَ‏:‏ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ عَلَى تَصْدِيقِهِ إيَّاهُ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَرَدَّهُ عَلَيْهِ‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ كَانَ تَرْكُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إنْكَارَ ذَلِكَ‏;‏ لأَنَّهُ حَلَفَ عَلَى مُحْتَمِلٍ لَمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَنْزِلْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَحْيٌ بِخِلاَفِهِ فَتَرَكَ الإِنْكَارَ عَلَيْهِ لِذَلِكَ‏.‏

قَالَ هَذَا الْقَائِلُ‏:‏ وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ مِنْهُ مِثْلُ ذَلِكَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لاََنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً إنَّهُ لَيْسَ هُوَ‏.‏

قَالَ‏:‏ فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ أَيْضًا بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ عَنْ هَذَا كَجَوَابِنَا إيَّاهُ عَمَّا أَجَبْنَاهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ هَذَا الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِي ابْنِ صَيَّادٍ إنَّمَا كَانَ مِنْهُ لِمِثْلِ الَّذِي قَدْ وَقَفَ عَلَيْهِ عُمَرُ مِنْهُ فَكَانَ مِنْ عُمَرَ فِيهِ مَا كَانَ مِنْ حَلِفِهِ إنَّهُ الدَّجَّالُ‏.‏

كَمَا حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عُمَرَ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ‏:‏ كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم نَمْشِي فَمَرَرْنَا بِصِبْيَانٍ فِيهِمْ ابْنُ صَيَّادٍ فَفَرَّ الصِّبْيَانُ وَجَلَسَ ابْنُ صَيَّادٍ فَكَأَنَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَرِهَ ذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم تَرِبَتْ يَدَاك أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ لاَ بَلْ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللهِ‏؟‏ فَقَالَ عُمَرُ‏:‏ ذَرْنِي أَقْتُلْهُ يَا رَسُولَ اللهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم‏:‏ إنْ يَكُنْ الَّذِي تَرَى فَلَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ‏.‏

فَوَقَفْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ فِي أَمْرِهِ حَتَّى قَالَ مِنْ أَجْلِهِ مَا قَالَ‏:‏ هُوَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ عُمَرَ رضي الله عنه أَمْرِهِ حَتَّى كَانَ مِنْ حَلِفِهِ فِي أَنَّهُ الدَّجَّالُ مَا كَانَ وَكَذَلِكَ أَبُو ذَرٍّ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ الَّذِي قَدْ رَوَيْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ لاََنْ أَحْلِفَ أَنَّ ابْنَ صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ عَشْرًا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ مَرَّةً وَاحِدَةً أَنَّهُ لَيْسَ بِهِ‏,‏ هُوَ مِثْلُ مَا كَانَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنهما عَلَيْهِ فِي أَمْرِهِ‏.‏

ثُمَّ وَقَفَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَعْدُ عَلَى مَا حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرُو بْنِ يُونُسَ الْمَعْرُوفُ بِالسُّوسِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي أَسْبَاطُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَامِرٍ عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ قَالَتْ بَيْنَمَا النَّاسُ بِالْمَدِينَةِ آمِنِينَ لَيْسَ بِهِمْ فَزَعٌ إذْ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى الظُّهْرَ‏,‏ ثُمَّ أَقْبَلَ يَمْشِي حَتَّى صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَفَرِحَ النَّاسُ قَالَتْ‏:‏ فَلَمَّا رَأَى فِي وُجُوهِهِمْ ذَلِكَ قَالَ‏:‏ أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي لَمْ أُفَزِّعْكُمْ‏,‏ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي أَمْرٌ فَرِحْت بِهِ فَأَحْبَبْت أَنْ أُخْبِرَكُمْ بِفَرَحِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم إنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ أَخْبَرَنِي أَنَّ قَوْمًا مِنْ بَنِي عَمٍّ لَهُ رَكِبُوا سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ فَانْتَهَتْ بِهِمْ سَفِينَتُهُمْ إلَى جَزِيرَةٍ لاَ يَعْرِفُونَهَا فَخَرَجُوا يَنْظُرُونَ فَإِذَا هُمْ بِإِنْسَانٍ لاَ يَدْرُونَ ذَكَرًا هُوَ أَوْ أُنْثَى مِنْ كَثْرَةِ الشَّعْرِ فَقَالُوا‏:‏ مَنْ أَنْتَ قَالَ‏:‏ أَنَا الْجَسَّاسَةُ قَالُوا‏:‏ فَحَدِّثِينَا قَالَتْ‏:‏ ائْتُوا الدَّيْرَ فَإِنَّ فِيهِ رَجُلاً بِالأَشْوَاقِ إلَى أَنْ تُحَدِّثُوهُ قَالَ‏:‏ فَدَخَلُوا الدَّيْرَ فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُوَثَّقٍ بِالْحَدِيدِ يَتَأَوَّهُ شَدِيدَ التَّأَوُّهِ فَقَالَ لَهُمْ‏:‏ مَنْ أَنْتُمْ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ قَالَ‏:‏ فَخَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ نَعَمْ قَالَ‏:‏ فَمَا صَنَعَ‏؟‏ قَالُوا تَبِعَهُ قَوْمٌ وَفَارَقَهُ قَوْمٌ فَقَاتَلَ بِمَنْ اتَّبَعَهُ مَنْ فَارَقَهُ حَتَّى أَعْطَوْهُ الْجِزْيَةَ قَالَ‏:‏ وَمِنْ أَيِّ أَرْضٍ أَنْتُمْ‏؟‏ فَقَالُوا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ قَالَ‏:‏ فَمَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطَّبَرِيَّةِ‏؟‏ فَقَالُوا‏:‏ هِيَ مَلأَى تَدْفُقُ قَالَ‏:‏ فَمَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ تَدْفُقُ حَافَّتُهَا قَالَ‏:‏ فَمَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ‏؟‏ قَالُوا‏:‏ قَدْ أَطْعَمَ قَالَ‏:‏ لَوْ أُفْلِتُّ مِنْ وَثَاقِي لَقَدْ وَطِئْت الْبُلْدَانَ كُلَّهَا إِلاَّ طَيْبَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ‏:‏ صلى الله عليه وسلم إلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحُ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم‏,‏ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ طَيْبَةُ هِيَ طَيْبَةُ، ‏[‏ يَعْنِي ‏]‏، الْمَدِينَةَ وَمَا فِيهَا طَرِيقٌ‏,‏ وَلاَ مَوْضِعٌ ضَيِّقٌ‏,‏ وَلاَ وَاسِعٌ‏,‏ وَلاَ ضَعِيفٌ إِلاَّ عَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَهَا ضَرَبَ وَجْهَهُ بِالسَّيْفِ قَالَ‏:‏ الشَّعْبِيُّ فَلَقِيتُ مُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ هَلْ زَادَك فِيهِ شَيْئًا‏؟‏ قُلْت لاَ قَالَ‏:‏ صَدَقْت أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَنِي بِهَذَا وَزَادَ فِيهِ‏,‏ ثُمَّ قَالَ نَحْوَ الشَّامِ مَا هُوَ نَحْوُ الْعِرَاقِ مَا هُوَ‏,‏ ثُمَّ أَهْوَى بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ عِشْرِينَ مَرَّةً قَالَ‏:‏ فَلَقِيتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ‏:‏ هَلْ زَادَ فِيهِ شَيْئًا‏؟‏ قُلْت لاَ قَالَ‏:‏ صَدَقَ أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْنِي بِهَذَا غَيْرَ أَنَّهَا زَادَتْ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ وَمَكَّةُ مِثْلُهَا‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَر ٍ‏:‏ وَكَانَ سُرُورُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِمَّا كَانَ تَمِيمٌ حَدَّثَهُ إيَّاهُ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهُ قَدْ تَحَقَّقَ عِنْدَهُ‏,‏ بِمَا يَتَحَقَّقُ بِهِ مِثْلُهُ عِنْدَهُ‏,‏ وَلَوْلاَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ كَذَلِكَ لَمَا قَامَ بِهِ فِي الْمُسْلِمِينَ‏,‏ وَلاَ خَطَبَ بِهِ عَلَيْهِمْ وَابْنُ صَيَّادٍ يَوْمَئِذٍ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ فَفِي ذَلِكَ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ الدَّجَّالَ الَّذِي كَانَ مِنْهُ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ‏,‏ وَمَنْ يُحَذِّرُ بِهِ أُمَّتَهُ مِنْهُ‏,‏ وَمِنْ إخْبَارِهِ النَّاسَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيٌّ قَبْلَهُ إِلاَّ وَقَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ خِلاَفَ ابْنِ صَيَّادٍ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏‏:‏ فَكَيْفَ بَقِيَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَأَبُو ذَرٍّ وَجَابِرٌ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ فِيهِ مِمَّا قَدْ رَوَيْتُهُ عَنْهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا قَالُوهُ فِيهِ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم‏.‏

فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَوْنِهِ‏:‏ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَمِلُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ‏;‏ لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا حَدَّثَ بِهِ النَّاسَ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ‏,‏ وَلاَ مِنْ سُرُورِهِ بِهِ فَقَالُوا فِي ذَلِكَ مَا قَالُوا‏.‏

لِهَذَا الْمَعْنَى، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، كَانَ ابْنُ صَيَّادٍ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ أَنْ يَكُونَ هُوَ الدَّجَّالَ بِمَا خَاطَبَ بِهِ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كَمَا حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ الْكَيْسَانِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُقْبَةُ بْنُ عَبْدِ الْغَافِرِ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ خَرَجْنَا صَادِرِينَ مِنْ مَكَّةَ إذْ لَحِقَنِي ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ إنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْرَقُونِي يَزْعُمُونَ أَنِّي أَنَا الدَّجَّالُ وَالدَّجَّالُ لاَ يُولَدُ لَهُ وَقَدْ وُلِدَ لِي وَالدَّجَّالُ لاَ يَدْخُلُ الْحَرَمَيْنِ وَقَدْ دَخَلْتُهُمَا‏,‏ وَاَللَّهِ إنِّي لاََعْلَمُ مَكَانَهُ قَالَ‏:‏ فَمَا ارْتَبْت بِهِ أَنَّهُ هُوَ إِلاَّ حِينَئِذٍ‏.‏

فَكَانَ هَذَا الْكَلاَمُ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ عِنْدَنَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَالَهُ‏,‏ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ بِهِ مِمَّا حَدَّثَهُ بِهِ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ مِمَّا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي هَذَا الْبَابِ مِمَّا فِيهِ إخْبَارُهُ إيَّاهُمْ عَنْ تَمِيمٍ عَنْ بَنِي عَمِّهِ بِمَكَانِهِ الَّذِي رَأَوْهُ فِيهِ‏,‏ فَقَالَ‏:‏ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَا قَالَ‏,‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الأَمْرِ كَانَ مِنْ ذَلِكَ‏,‏ وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ‏.‏